1-قد يبدو من وصفك لابنك البالغ سنتين ونصف السنة أنه ربما يكون مصابا باضطراب نقص الانتباه – فرط النشاط، إذ ذكرت أن نشاطه قد يكون زائدا، وكذلك سلوكه العنيف معك وشغبه وعبثيته...وهذا الاضطراب يظهر في سن مبكرة وقد يستمر لفترة طويلة – وربما يكون مدى الحياة في حوالي نصف الحالات. هذا الاضطراب واسع الانتشار بين الأطفال والراشدين، إذ يصيب بين 5-15 % منهم. وتكون شدة الإصابة إما بسيطة أو متوسطة أو شديدة، وربما تكون مصحوبة باضطرابات أخرى كاضطراب السلوك ، القلق ، الاكتئاب ، اضطراب النوم ، تأخر الكلام وما إلى ذلك.
هناك ثلاث أعراض رئيسة للاضطراب المذكور : فرط النشاط والحركة ، والتهور – أي القيام بأفعال دون التفكير بنتائجها ، مثل اللعب بالأشياء الخطرة كالكهرباء والنار والأدوات الحادة والصعود إلى الأماكن العالية وما شابه ذلك - ، ونقص الانتباه الذي يظهر بشكل واضح حين دخول الطفل إلى الروضة أو المدرسة.
ولتشخيص الحالة بشكل دقيق ينبغي مراجعة طبيب اختصاصي بالأمراض النفسية للأطفال لكي يأخذ المعلومات اللازمة منك ويقوم بالفحوص اللازمة السريرية (وربما بعض الفحوص المختبرية – كفحص الدم والغدة الدرقية وتخطيط الدماغ...الخ) إذا لزم الأمر. ويكون علاج هذه الحالة متعدد الجوانب – سلوكيا وتعليميا وباستعمال أدوية معينة يصفها الاختصاصي حين اللزوم .
2-العلاقة بين الطفل المصاب بالاضطراب المذكور والأهل – خاصة الأم - تكون متأزمة ومتوترة – كما هو الحال لديكم ، إذ إنهم – أي الأهل يتصورون أن الطفل يقوم بهذه التصرفات من أجل إزعاجهم ليس إلا ، بينما جوهر المشكلة هو أن الطفل يقوم بذلك لأنه يعاني من الاضطراب المذكور بدون قصد! وهو يشبه الطفل الذي يعاني من حمى ، هل يمكن أن نتصور أنه السبب في ظهور تلك الحمى أم أنها كانت نتيجة لمرض ما!؟ من هنا أود أن أقول إن محاولة منعه من التصرفات المزعجة لا يكون (بالعنف) ورد الفعل المشابه لفعله – مثل الضرب ووضع الملح في الفم والربط بالحبال على الكرسي – كل هذا لا يفيد بل بالعكس قد يجعله أكثر عنفا وشراسة وربما يتأثر الطفل نفسيا بشكل سلبي بذلك مما قد يؤدي إلى اهتزاز في مفهوم الذات لديه مستقبلا ، وهذا ما يؤثر على شخصيته لاحقا ، وأنا لا أؤيد أبدا مثل هذه الأعمال ، ولنتذكر حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع منه إلا شانه " أو كما قال. ولهذا السبب يكون فهم الأهل لطبيعة الاضطراب وكيفية التعامل معه بداية العلاج الناجع .
3-إن تلفظ الطفل بألفاظ غير لائقة – قد لا يفهم معناها – يكون تقليدا للكبار كما ذكرت ، وبهذا لا يلام الطفل على ذلك ولكن اللوم يقع على الكبار الذين يعلمونه تلك الألفاظ! ومن الضروري أن تخبري أخواله وأعمامه ( بحسن العبارة ) بعدم التلفظ بعبارات غير لائقة أمامه لأن الطفل يحاكي الكبار في أفعالهم دون فهم المقصود ، وهو يعتقد أنه ما دام الكبار يطلقون هذه الكلمات فلماذا لا يفعل ذلك مثلهم؟
4-ربما يكون هناك سبب في ضجر ابنك حين تكوني مشغولة في الحاسوب أم مع أبيه وهو شعوره بالوحدة والتهميش حيث إنه الطفل الوحيد في الأسرة ، وانشغال الكبار عنه يزعجه وبهذا يحاول جلب انتباهك نحوه بذلك التصرف ، خاصة وأنه يمر في طور – مركزية الأنا Egocentrism – من التطور المعرفي (حسب نظرية بياجيه) وهذا يعني أن الطفل يتصور أن كل ما حوله يجب أن يكون تحت تصرفه وأن تلبى طلباته دون إبطاء ، وإن تأخر الكبار في ذلك يجعله ينزعج ويثور! ومن الضروري والحالة هذه محاولة إشغاله بلعبة يحبها أو ببرنامج تلفازي يميل إليه أثناء انشغالكم عنه .
5-أختي العزيزة: لم تكن تربية الأطفال في يوم ما مهمة سهلة على مدى العصور! فكيف بها في هذه الأيام التي دخل عليها متغيرات جديدة وتطورات تقنية لم تكن موجودة سابقا : فها هو التلفاز والفضائيات والحاسب والشبكة الدولية والهواتف المحمولة والألعاب الالكترونية وما سيأتي بعد ذلك كثير ، مما يجعل في تربية الأطفال تحد ي حقيقي للأبوين ، وبذلك يجب عليهما بذل كل الجهود من أجل تخطي المشاكل التي تجابه تلك العملية والتعلق بالأسباب من أجل الوصول إلى بر الأمان.
والقضية تحتاج إلى صبر كبير ومتواصل ، وللصبر أهمية عظيمة في حياة الإنسان ، وقد جاء ذكره وحسن جزائه في العشرات من الآيات الكريمة في القرآن الكريم. وكذلك مطلوب من الأهل – خاصة الأم - حسن احتواء سلوك الطفل المزعج وبشكل هادئ ، وتعزيز الإيجابي منه بالمديح والإطراء وإعطاء الهدايا ، وتهذيب تصرفاته غير اللائقة بالتعزيز السلبي – أي بحرمانه من الأشياء المحببة لديه مثل الرسوم المتحركة ، الحلوى ، الذهاب إلى السوق أو مركز الألعاب ، مع ضرورة إفهام الطفل في حينها سبب حرمانه من هذه الأشياء حتى يكون على بينة من أمره .
كما أن وجود سياسة تربوية واضحة لدى الأبوين والتعاون الوثيق بينهما وعدم ترك الأم لوحدها في ميدان التربية – وربما يحصل هذا في أحيان كثيرة -يعتبر مهما جدا إذا أراد الحصول على الأهداف المرجوة من التربية . ولو أنك لم تذكري شيئا حول وجود ( شغالة ) في البيت – لكن أرى من الجدير ذكره تذكيرا لك ولبقية الأمهات الفاضلات - وهو ضرورة محاولة الابتعاد عن قيام (الشغالة ) بدور التربية لما لذلك من ضرر كبير ونتائج كارثية قد لا يمكن إصلاحها في المستقبل ، وهذا ما نراه الآن في العيادات التخصصية . وأود هنا ذكر بيت الشعر الذي يبين أهمية الأم في ميدان التربية :
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
6-أختي العزيزة أم سعود : ختاما أقول بارك الله فيك لاهتمامك بتربية ابنك التربية الإسلامية المطلوبة ، وأنا أدعو الله تعالى أن يوفقك وكافة الأخوات الأمهات في تربية الجيل الحالي التربية الصحيحة على القيم العربية والإسلامية على الرغم من صعوبة المهمة ، لكي يكونوا قرة أعين لكم ولنا في الدنيا والآخرة ، ومن أجل أن ترتقي أمتنا كما يليق بها بين الأمم , وهذه مهمة في غاية الأهمية .
أؤكد قائلا بأنه لا يوجد مستحيل لدى من كان له همة ودافعية وإيمان بأهمية العمل الذي يقوم به من أجل الوصول إلى الأهداف المطلوبة ، تيمنا بقول الله تعالى (( وقل اعملوا فسيرى الله ورسوله والمؤمنون)) وجزاكم الله تعالى خيرا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.